مَثَـل المشرك بقلم ؛ فضيلة الشيخ / أبي الوفاء درويش
قال الله عز وجل :
) ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا عَبْدًا مَمْلُوكًا لَا يَقْدِرُ عَلَى شَيْءٍ وَمَنْ رَزَقْنَاهُ مِنَّا رِزْقًا حَسَنًا فَهُوَ يُنْفِقُ مِنْهُ سِرًّا وَجَهْرًا هَلْ يَسْتَوُونَ الْحَمْدُ لِلَّهِ بَلْ أَكْثَرُهُمْ لَا يَعْلَمُونَ ( [ سورة النحل : 75 ]
لله در الأمثال ، تقرب المعاني البعيدة ، وتيسر الفهم لمن يعسر عليهم الفهم ، وتزيد المعني وضوحا وبيانا .
أراد الله تعالي أن يضرب المثل للمشركين الذين يجعلون لله أندادا يدعونهم مع الله أو من دون الله ، ويتضرعون إليهم ، وينذرون لهم ، ويهتفون بأسمائهم ، ويسترزقونهم ويستدفعون بهم الكروب ، وهم لا يملكون لأنفسهم نفعاً ولا ضرا ، فهم أحري ألا يملكوا ذلك لغيرهم .
يقول تعالي ما معناه : تصوروا عبدا رقيقا لا يملك شيئا ، ولا يقدر علي شئ ، ولا يمكنه سيده من أي نوع من أنواع التصرف ، فلا يبيع ولا يشتري ، ولا يرهن ولا يهب ، ولا يوصي ولا يتصدق ولا يقدر علي عمل مما يعمله الأحرار .
وتصوروا حرا كريما رزقه الله رزقا حسنا وبسط له في رزقه ، ومكن له في الأرض ، وآتاه مالا وعقارا ، ولم يجعل له في ملكه شريكا يحاسبه أو يعقب علي تصرفه ، أو يسأل عن شئ مما عمل فأصبح ينفق من ثروته سرا وجهرا و ليلا ونهارا ، ويواسي المحتاج والمنكوب ويتصدق علي الفقير والمسكين .
فإذا تصورتم هذا وذاك ، فوازنوا بينهما بعقولكم ثم احكموا : هل يستويان ؟
هل يستوي العبد والحر ؟ هل يستوي الذي لا يملك شيئا ولا يقدر علي شئ ، ومن يملك كل شئ ويقدر علي كل شئ ؟
لن تجدوا محيصا عن الإقرار بالحق والإعتراف بالواقع . وستقولون : لا ؛ لا يستويان ولا يمكن أن يقول العاقل غير ذلك .
ألا فأعلموا أن هذا مثل ضربه الله عز وجل للناس لعلهم يتفكرون ، فإذا كان هذان المخلوقان لا يستويان ، فكيف يستوي المخلوق والخالق ، والمرزوق والرازق والعاجز عن كل شئ والقادر علي كل شئ ؟
فهذا العبد المملوك الذي لا يقدر علي شئ ضربه الله عز و جل مثلا لكل ما يدعي من دون الله من حجر وشجر ، وحيوان وطير ، وأنس وجن ، وملك وشيطان . فكلها لا تملك مع الله شيئا ولاتملك لنفسها ولا لغيرها نفعا ولا ضرا .
فكيف يبيح العاقل لنفسه ؛
أن يدعوا من دون الله أو مع الله حجرا جامدا لا حراك به ، ولا حس له ولا شعور .
أو يدعوا حيوان مسخرا لخدمة الانسان ، خلق لمنفعته ، لا عقل له ولا كرامة يقوده الغلام ويسوقه الطفل .
أو يدعوا إنسانا عاجزا ضعيفا تصيبه الأمراض وتؤذيه الشوكة ويغلبه النوم والنعاس ، ويدركه الموت ولوكان في بروج مشيدة
هل يعقل أولئك الذين يمسهم الضر في البر أو في البحر فيضرعون إلي الأوليـاء و الصالحين ليغيثوهم من طغيان الموج أو ينقذوهم من عصف الرياح ؟
هل يعقل أولئـك الذين يسألون الموتي قضاء حاجاتهم وتفريج كروبهم ؟
أمـا إنهم لو عقلوا لاستجابوا لداعي الفطرة ، وآمنـــوا بالله وحده وكفروا بما كانوا به مشركين
فالحمد لله الذي أقام في كل شئ شاهدا بوحدانيته ، وآية بينة علي أنه الحي القيوم الذي لا تأخذه سنة ولا نوم والذي بيده خزائن السموات والأرض ، ولكن الغافلين شلوا عقولهم وجمدوا علي ما كان عليه آباؤهم ، وآثروا منافع العاجلة وشهوات الحياة الدنيا ، وأمجادها الباطلة ، وأعراضها الزائلة ، وهم أكثر من تري من هذه المخلوقات التي لها أجساد الآدميين وعقول الأنعام ) أولئك كالأنعام بل هم أضل أولئك هم الغافلون ( ، أولئـك الذين رضوا بالجهل حظا ، وبالجمود نصيبا وتنكروا للحق وحرصوا علي الباطل وضلوا سواء السبيل
نعوذ بالله من الجهل والجاهلين ، ونسأله أن يزيدنا معرفة به وعلما بالحق ، واستمساكا به ، وانصرافا عن الباطل والمبطلين .
-----------------------------------------
نقـلاً عن : " مجلة التوحيــد " العـدد : 2/1408 هـ .